للمحافظة على الصحة النفسية والجسدية مهارات التحكم فى مشاعر الغضب

الغضب شعور انسانى طبيعى مثل السعادة والحزن والقلق ويعد أمرا صحيا ومطلوبا اذا ما تم توجيهه بطريقة صحية لكنه قد يتحول إلى وحش يلتهم صاحبه ويدمر علاقاته الإنسانية كما يدمر صحته وكما تؤكد دراسة حديثة صادرة عن دورية أمراض القلب الأوروبية فإن مشاعر الغضب الخارجة عن السيطرة تزيد احتمالات الاصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية وأشار الباحثون إلى أن هناك فترة خطيرة بعد حالات الغضب الشديد يكون من خلالها الشخص معرضا للإصابة بشكل أكبر حيث يتضاعف خطر الاصابة خمس مرات اكثر وخاصة الذين يعانون أمراضا فى القلب والاوعية الدموية فهم الأكثر عرضة.

ونصحت الدراسة الاشخاص بعدم الاستهانة بمشاعر الغضب والانتباه الى حدتها فقد تشكل خطرا كبيرا على صحة الإنسان وتهدد حياته وتعلم مهارات التحكم فى الغضب والاسترخاء وهذا ما تؤكده د.نهال لطفى استاذ علم النفس التربوى والتى توضح أن الغضب سلوك مكتسب وناتج عن التربية والتنشئة وتختلف أسباب الغضب حسب المرحلة العمرية، فالطفل يصاب بالغضب نتيجة القواعد الصارمة المفروضة عليه أو كنوع من أنواع الدلال، بينما المراهق قد يصاب بالغضب كنوع من الاعتراض أو الاحتجاج على القيود الاجتماعية بينما البالغون قد يكون غضبهم نتيجة لضعوط الحياة، وأيا كان السبب فالغضب أنواع منه الخفى الذى تظهر علاماته على الانسان من خلال السلوك والجسد والوجه ويكون مصحوبا بالعنف والعدوان كالتخريب وكسر الأشياء أو الصراخ، والغضب الداخلى الذى يحبسه المرء فى نفسه دون أن يشعر أحد به ولا تبدو عليه أى علامات خارجية، والغضب الحاسم الذى نستطيع السيطرة عليه وإدارة الأمور بشكل متزن دون الإفصاح عن أسباب الغضب إلا إذا لزم الأمر والغضب المسيطر الذى يتحكم فى أفعال الشخص وأسلوبه وتصرفاته.

وهنا يجب أن نوضح أن الغضب من المشاعر الأساسية كالحزن والفرح والخوف ورد فعل عاطفى شعورى تلقائى يعبر به الأنسان عن عدم الرضا نتيجة تأثره بما يجرى حوله ونتيجة مباشرة للضغوط الحياتية التى يمر بها وكذلك لقلة النوم كما تؤكد ذلك الدراسات الحديثة أن انخفاض استهلاك الجلوكوز فى قشرة الفص الجبهى من المخ يؤثر على السيطرة على النفس ولذا فإن النوم الكافى يجدد هذه الطاقة.

ولذا نلاحظ من تعريف أرسطو للغضب أنه دافع يصاحبه الألم للذات أو للأصدقاء وهو انعكاس لجملة « إذا قمت بتدمير يومى سأدمر يومك «فيلجأ الشخص إلى رد فعل للتعبير عن غضبه بالاحتقار أو الحقد أو الوقاحة وفى بعض الأحيان قد يؤدى إلى الجريمة ولذا يعتبر الغضب جنونا إذا سيطر على العقل ويسمى الغضب المسيطر وهنا يتحول من عاطفة إنسانية طبيعية وصحية إلى مرحلة التدمير وفى هذه الحالة يجب اللجوء الى الطبيب قبل الوصول إلى مرحلة التدمير إذا لم يتم تعديل هذا السلوك مبكرا، ولكن الغضب لا يعتبر من السلوكيات المرتبطة بالجينات الوراثية بينما يعتبر فى بعض الأحيان انعكاس لآثار جانبية لبعض الادوية أو الأمراض النفسية.

وتوضح د.نهال أن الأشخاص الذين يعانون من شدة الغضب قد يكون ذلك ناتجا عن أسباب نفسية وترسبات من الطفولة بسبب طريقة التربية كالأسرة التى تتعامل بأسلوب فوضوى بدون قواعد ولديها صعوبة فى التفاهم والتواصل بين أفرادها مما ينعكس خلال فترة الطفولة على الشخصية عندما تصل لمرحلة التعبير عن الذات من خلال اللجوء الى التعبير عن عدم الرضا وتحقيق ما يريده الشخص بالغضب لإقناع الآخرين بأنه الأسلوب الأمثل أو نتيجة إلى تربية الطفل بأسلوب السيطرة وعدم التعبير عن آرائه مما يؤدى الى تراكم مشاعر الغضب لديه أو مشاهدة الوالدين أو أحدهما اثناء نوبات الغضب الخارجة عن السيطرة مما ينمى عند الطفل أنه الخيار الأول لعلاج الخلافات بين الآخرين أو المواقف الحياتية المتعددة كالتنمر أو الظلم أو سوء المعاملة ولسبب ما لم يستطيع التعبير عن غضبه بشكل مباشر فيكون له آثار على الحياة المستقبلية وعندما يتعرض الإنسان لموقف مشابهه له فيلجأ إلى الغضب المفرط لعدم شعوره بالأمان وكل هذا الأسباب تؤدى الى الشعور بالغضب الدائم وعدم الصبر والعنف الجسدى وقت الغضب.

وإدراك الأسباب الكامنة هو الخطورة الاولى فى إدارة الغضب بطريقة صحية كما تقول داليا كمال استشارى العلاقات الأسرية وتعديل السلوك فلابد من التنفيس عن المشاعر والتعبير عنها بدون عدوانية أو إيذاء الآخرين والتفكير الايجابى لتغير مسار الغضب من خلال التوقف عن التفكير فى شعور الغضب والتركيز على الأمور الإيجابية وتجنب التفكير السلبى الذى يبدأ فى تعميم وترديد عبارات الغضب والإستياء «انك لا تفهمنى» و»انتم ضدى» التى تزيد من انفعالات الغضب والهدف من ذلك هو احتواء شعور الغضب واللجوء الى تهدئته من خلال إيجاد بدائل كتغيير الوضع الجسدى، فعلى سبيل المثال إذا كنت واقفا عليك بالجلوس أو الابتعاد عن المكان ومنح النفس بعض الوقت للهدوء والحرص على ممارسة التنفس العميق بشكل بطيء، وممارسة الرياضات الروحية مثل التأمل واليوجا بشكل مستمر لأنها تساعد على تحسين الوعى الذاتى ورفع كفاءة وقدرة المخ على تجنب الشحنات السلبية وبالتالى الطاقة السلبية وأيضا ممارسة نشاط بدنى كالمشى والجرى وذلك من أجل ضبط استهلاك الإدرينالين الزائد وزيادة افراز هرمون الاندورفين المسئول عن السعادة والتفكير فى الآثار السلبية للغضب على صحة الانسان واتخاذ الاسلوب الأمثل للتعبير عن المشاعر بهدوء ومعرفة الأسباب والتركيز عن الحلول بدلا من المشكلة وكيفية حلها واتخاذ القرار بالتعامل مع المشكلة بالأسلوب الأمثل وذلك من خلال اكتساب مهارات حل المشاكل وتقبل حقيقة أننا مختلفون وهذا أمر طبيعى وإنه ليس من حقك أن تسيطر على مشاعر وأفعال ومعتقدات الآخرين وتقبل حقيقة أن هناك أنواعا من الشخصيات التى تقودك إلى الغضب كالجاهل الذى يحتاج منا أن نتعامل معه كالطفل أو الأقل خبرة والذين لا يدركون ما الصواب والخطأ، ومن يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه والنوع الأصعب هو اللئيم الذى لا تحتاج إلى الاهتمام أو التركيز معه إنما يحتاج إلى تعامل بالأسلوب الأمثل لتجنب الغضب، وأخيرا إذا كان الغضب من النوع المؤذى لك وللآخرين يجب الاستعانة بالمتخصصين.

Comments are closed.